فصل: الخبر عن وفادة ابن الأحمر على السلطان والتقائهما بطنجة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.الخبر عن انتقاض الطاغية وإجازة السلطان لغزوه:

لما رجع السلطان من غزو تلمسان وافاه الخبر بأن الطاغية شانجة انتقض ونبذ العهد وتجاوز التخوم وأغار على الثغور فأوعز إلى قائد المسالح علي بن يوسف بن يزكاسن بالدخول إلى دار الحرب ومنازلة شريش وشن الغارات على بلاد الطاغية فنهض لذلك في ربيع الآخر من سنة تسعين وستمائة وجاس خلالها وتوغل في أقطارها وأبلغ في النكاية وفصل السلطان من تازى غازيا على أثره في جمادى واحتل قصر مصموة واستنفر أهل المغرب وقبائله ونفروا وشرع في إجازتهم البحر وبعث الطاغية أساطيله إلى الزقاق حجزا دون الإجازة فأوعز السلطان إلى قواد أساطيله بالسواحل فأغزاهم والتقت الأساطيل ببحر الزقاق في شعبان فاقتتلوا وانكشف المسلمون ومحصهم الله ثم أغزاهم ثانية وخامت أساطيل العدو عن اللقاء وصاعدوا عن الزقاق وملكته أساطيل السلطان فأجاز أخريات رمضان واحتل بطريف ثم دخل دار الحرب غازيا فنازل حصن بجير ثلاثة أشهر وضيق عليهم وبث السرايا في أرض العدو وردد الغارات على شريش وإشبيلية ونواحيها إلى أن بلغ في النكاية والإثخان وقضى من الجهاد وطرا وزاحمه فصل الشتاء وانقطاع الميرة عن العسكر فأفرج عن الحصن ورجع إلى الجزيرة ثم أجاز إلى المغرب فاتح إحدى وتسعين وستمائة فتظاهر ابن الأحمر والطاغية على منعه كما نذكره إن شاء الله تعالى والله أعلم.

.الخبر عن انتقاض ابن الأحمر ومظاهرته للطاغية على طريف أعادها الله للمسلمين:

لما قفل السلطان من غزاتة فاتح إحدى وتسعين وستمائة كما ذكرناه وقد أبلغ في نكاية العدو وأثخن في بلاده فأهم الطاغية أمره وثقلت عليه وطأته والتمس الوليجة من دونه وحذر ابن الأحمر غائلته ورأى أن مغبة حاله الاستيلاء على الأندلس وغلبه على أمره ففاوض الطاغية وخلصوا نجيا وتحدثوا أن استمكانه من الإجازة إليهم إنما هو لقرب مسافة بحر الزقاق وانتظام ثغور المسلمين حفافيه لتصرف شوانيهم وسفنهم متى أرادوا فضلا عن الأساطيل وأن أم تلك الثغور طريف وأنهم إذا استمكنوا منها كانت ربيئة لهم على بحر الزقاق وكان أسطولهم بمرقاها بمرصد الأساطيل صاحب المغرب الخائضين لجة ذلك البحر فاعتزم الطاغية على منازلة طريف وزعم له ابن الأحمر بمظاهرته على ذلك وشرط له المدد والميرة لأقوات العسكر أيام منازلتها على أن تكون له إن خلصت وتعاونوا على ذلك وأناخ الطاغية بعساكر النصرانية على طريف وألح عليها بالقتال ونصب الآلات وانقطع عنها المدد والميرة واحتلت أساطيله ببحر الزقاق فحالفوا دون الصريخ من السلطان وإخوانهم المسلمين وضرب ابن الأحمر معسكره بمالقة قريبا منه وسرب إليه المدد من السلاح والرجال والميرة من الأقوات وبعث عسكرا لمنازلة حصن أصطبونة وتغلب عليه بعد مدة من الحصار واتصلت هذه الحال أربعة أشهر حتى أصاب أهل طريف الجهد ونال منهم الحصار فراسلوا الطاغية في الصلح والنزول عن البلد فصالحهم واستنزلهم سنة إحدى وتسعين وستمائة ووفى لهم بعهده واستشرف ابن الأحمر إلى تجافي الطاغية عنها لما عقدوا عليه فأعرض عن ذلك واستأثر بها بعد أن كان نزل له عن ستة من الحصون عوضا منها ففسد ذات بينهما ورجع ابن الأحمر إلى تمسكه بالسلطان واستعانته به لأهل ملته على الطاغية وأوفد ابن عمه الرئيس أبا سعيد فرج بن إسماعيل بن يوسف ووزيره أبا سلطان عزيز الداني في وفد من أهل حضرته لتجديد العهد وتأكيد المودة وتقرير المعذرة عن شأن طريف فوافوه بمكانه من منازلة تازوطا كما يذكر بعد فأبرموا العقد وأحكموا الصلح وانصرفوا إلى ابن الأحمر سنة اثنتين وتسعين وستمائة بإسعاف غرضه من المواخاة واتصال اليد وهلك خلال ذلك قائد المسالح بالأندلس علي بن يزكاسن في ربيع الأول سنة انتين وتسعين وستمائة وعقد السلطان لابنه ولي عهده الأمير أبي عامر على ثغور الأندلس التي في طاعته وعهد له بالنظر في مصالحها وأنفذه إلى قصر المجاز بعسكره فوافاه هنالك السلطان ابن الأحمر كما يذكر إن شاء الله تعالى والله أعلم.

.الخبر عن وفادة ابن الأحمر على السلطان والتقائهما بطنجة:

لما رجعت الرسل إلى ابن الأحمر وقد كرمت وفادتهم وقضيت حاجتهم وأحكمت في المواخاة مقاصدهم وقع ذلك مع ابن الأحمر أجمل موقع وطار سرورا من أعواده وأجمع الرحلة إلى السلطان لإحكام الود والاستبلاغ في العذر عن واقعة طريف وشأنها واستعدادهم لإغاثة المسلمين ونصرهم من عدوهم فاعتزم على ذلك وأجاز البحر ذا القعدة سنة اثنتين وتسعين وستمائة واحتل بنيونش من ساحة سبتة ثم ارتحل إلى طنجة وقدم بين يدي نجواه هدية سنية أتحف بها السلطان كان من أحفلها وأحسنها موقعا لديه فيما زعموا المصحف الكبير أحد مصاحف عثمان ابن عفان أحد الأربعة المنبعثة إلى الآفاق المختص هذا منها بالمغرب كما نقله السلف كان بنو أمية يتوارثونه بقرطبة فتلقاه الأمير أبو عامر هنالك وأخوه الأمير أبو عبد الرحمن ابنا السلطان واحتفلا في مبرته ثم جاء السلطان على أثرهما من حضرته لتلقيه وبرور مقدمه ووافاه بطنجة وبلغ تكرمته وبر وفادته ما يكرم به مثله وبسط ابن الأحمر العذر عن شأن طريف فتجافى السلطان عن العذل وأعرض عنه وقبل منه وبر واحتفى ووصل وأجزل ونزل له ابن الأحمر عن الجزيرة ورندة والغريبة وعشرين حصنا من ثغور الأندلس كانت من قبل لطاعة صاحب المغرب ونزل عساكره وعاد ابن الأحمر إلى الأندلس خاتم اثنتين وتسعين وستمائة محبوا محبورا وأجازت عساكر السلطان معه لحصار طريف وعقد على حربها ومنازلتها لوزيره الطائر الذكر عمر بن السعود بن الخرباش الجشمي فنازلها مدة وامتنعت فأفرج عنها وصرف السلطان همته إلى غزو تلمسان وحصارها كما يذكر إن شاء الله تعالى.